“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .
حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا ، وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ ، وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .
حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ ، وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .
الْحَلْقَةُ (التَّاسِعَةُ) :
-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-
“قِسْمُ الْأَخْلَاقِ” .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
“حِفْظُ الْبُيُوْتِ الْمُؤْمِنَةِ مِنَ التَّهْدِيْدَاتِ الْمُعَاصِرَةِ” .
(7)
وَمِنْهَا : التَّهْدِيْدَاتُ السِّيَاسِيَّةُ ، وَمِنْ أَهَمِّ أَمْثِلَتِهَا -فِيْ أَزْمِنَتِنَا الْمُعَاصِرَةِ- :
اِسْتِيْلَاءُ الْكُفَّارِ عَلَى كَثِيْرٍ مِنَ الْبِلَادِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ ؛ وَقَدْ تَوَلَّتْ الْمَجَالِسُ الْأُمَمِيَّةُ الْعَالَمِيَّةُ الْكَافِرَةُ هَذِهِ الْمَسْؤُوْلِيَّةَ ، فَسَنَّتِ الْقَوَانِيْنَ الْجَائِرَةَ ؛ الْمُخَالِفَةَ لِلْفِطْرَةِ ، وَالشَّرِيْعَةِ -فِيْ الْسِلْمِ ، وَالْعِلْمِ ، وَالْحَرْبِ- فَأَلْزَمَتْ بِهَا هَذِهِ الدُّوْلَ الْمُسْتَضْعَفَةَ ، الَّتِي مَا كَانَ مِنْهَا إِلَّا الرُّضُوْخُ ، وَالْقَبُوْلُ ؛ مُرْغَمَةً ، صَاغِرَةً ، ذَلِيْلَةً ، وَأَقْرَبُ شَاهِدٍ لِهَذَا مَا :
يَتَعَرَّضُ لَهُ إِخْوَانُنَا الْمُسْتَضْعَفُوْنَ -مِنْ قَهْرٍ ، وَظُلْمٍ ، وَقَتْلٍ ، وَتَشْرِيْدٍ- مِنْ قِبَلِ دُوَلِ الظُّلْمِ ، وَالْاِسْتِبْدَادِ ؛ فِيْ كَثِيْرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ ؛ كَمَا يَحْدُثُ -الْآنَ- لِلْمُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ؛ فِيْ فِلَسْطِيْنَ ، وَسُوْرِيَّا ، وَالصِّيْنِ ، وَبُوُرْمَا ، وَإِيْرَانَ ، … ، لَا يَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْؤُوْلِيْنَ -فِيْ تِلْكَ الدُّوَلِ الْمُهَانَةِ- أَنْ يُحَرِّكَ حَرَاكًا ؛ حَتَّى الْاِسْتِنْكَارَ الصَّرِيْحَ ؛ يَخَافُوْنَ أَنْ يُعْلِنُوْهُ ، أَوْ يَتَفَوَّهُوْا بِهِ ، وَإِنْ فَعَلُوْا ؛ فَعَلَى اِسْتِحْيَاءٍ شَدِيْدٍ ، فَقَدْ آلَتْ بِهِمْ حَالَةُ الْجُبْنِ ، وَالْخَوَرِ إِلَى أَشَدِّ دَرَجَاتِهَا ، فَإِلَى اللهِ الْمَفْزَعُ ، وَالْمُشْتَكَى ، …
وَهَذَا الضَّعْفُ لَهُ أَسْبَابُهُ ، مِنْ أَهَمِّهَا : ضَعْفُ الْعَقِيْدَةِ -أَوِ اِنْعِدَامُهَا- وَالرُّكُوْنُ إِلَى الدُّنْيَا ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين … يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}[المائدة:51-54] ،
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا” ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : “بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : “حُبُّ الدُّنْيَا ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”[1].
لَكِنْ هُنَاكَ ثُلَّةٌ مُؤْمِنَةٌ ، وَطَائِفَةٌ مَنْصُوْرَةٌ ، وَفِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ ، اِعْتَصَمُوْا بِحَبْلِ اللهِ ، وَلَمْ يَتَفَرَّقُوْا ، وَطَبَّقُوْا شَرْعَ اللهِ ، وَلَمْ يُهْمِلُوْا ، دَائِمِيْنَ عَلَى هَذَا عُمْرَهُمْ ؛ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ فَارَقَهُمْ ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ ، حَتَّى تَقُوْمَ قِيَامَتُهُمْ ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظاهِرِينَ ، لِعَدُوَّهِمْ قَاهِرِينَ ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ -إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ- حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذلِكَ” ، قالوا يا رسُولَ اللهِ ، وَأَيْنَ هُمْ ؟ قالَ : “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”[2].
اللَّهُمَّ اُنْصُرْ إِخْوَانَنَا فِيْ فِلَسْطِيْنَ عَلَى أَعْدَائِهِمُ الْمُحْتَلِّيْنَ ؛ مِنَ الصَّهَايِنَةِ ؛ الْيَهُوْدِ ، وَعُمَلَائِهِمُ الْمُتَصَهْيِنِيْنَ ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا،
وَصَلِّ اللُّهُمَّ عَلَى نَبِيِّكَ ، وَمُصْطَفَاكَ ، وَآلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَالْأَتْبَاعِ .