عِبَرٌ وَتَأَمُّلَاتٌ … فِيْ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَاتِ ، وَالْفِتَنِ النَّازِلَاتِ الَّتِيْ تُمْتَحَنُ بِهَا أُمَّةُ الْإِسْلَامِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ .
تَعْلِيْقٌ عَلَى أَحْدَاثٍ مُؤْلِمَةٍ ، وَأُخْرَى مُفْرِحَةٍ ، فِيْهَا ، وَبِهَا : نُبْشِّرُ ، وَنُحَذِّرُ ، وَنُثَبِّتُ ، وَنُصَبِّرُ …
الحلقة (100)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِيْنَ ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ … أَمَّا بَعْدُ :
تَبْدِيْلُ الشَّرِيْعَةِ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ .
(3)
وَهَلَكَ فِيْ هَذَا الْأَمْرِ طَائِفَتَانِ :
الْأُوْلَى : طَائِفَةُ الْخَوَارِجِ ؛ الظَّلَمَةِ ، الْبُغَاةِ ؛ الَّذِيْنَ يُكَفِّرُوْنَ بِالظُنُوْنِ ، وَالشُّبُهَاتِ ، “يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَقْتُلُوْنَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ ، وَيَدَعُوْنَ أَهْلَ الْأَوْثانِ”[1]، “دِينُهُمْ الْمُعَظَّمُ : مُفَارَقَةُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَاسْتِحْلَالُ دِمَائِهِمْ ، وَأَمْوَالِهِمْ”[2].
وَالثَّانِيَةُ : طَائِفَةُ الْمُرْجِئَةِ ؛ الَّذِيْن فَتَحُوْا الْبَابَ -عَلَى مِصْرَاعَيْهِ- لِأَصْحَابِ الْمُنْكَرَاتِ السِّيَاسِيَّةِ ، وَغَيْرِ السِّيَاسِيَّةِ ؛ فَكَانُوْا لَهُمْ بُوْقًا لِاسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَجِسْرًا لِارْتِكَابِ الْمُوْبِقَاتِ ، بِلْ : وَالْمُكَفِّرَاتِ ، فَقَدْ “تَرَكَتْ الْمُرْجِئَةُ الْإِسْلَامَ أَرَقَّ مِنْ ثَوْبِ سَابِرِيٍّ”[3]، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ ، فـَ”لَفِتْنَتُهُمْ عِنْدِي -كَمَا يَقُوْلُ الْإِمَامُ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ-أَخْوَفُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِتْنَةِ الْأَزَارِقَةِ[4]؛
وَسَلِمَ -وَالْفَضْلُ لِلَّهِ وَحْدَهُ- طَائِفَةُ أَهْلِ الْحَقِّ ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَهُمْ حَسَنَةٌ بَيْنَ سِيِّئَتَيْنِ ، وَوَسَطٌ أَمْثَلُ بَيْنَ طَرَفَيْنِ ؛ حَفِظُوْا دِمَاءَ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَعْرَاضَهُمْ ، وَلَمْ يُكَفِّرُوْا إِلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّكْفِيْرَ ؛ بِعِلْمٍ وَثِيْقٍ ، وَتَرَوٍّ جَمِيْلٍ ، عَمَلًا بِوَصِيَّةِ حَبِيْبِهِمُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا ، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ”[5]،
وَفِيْ الْمُقَابِلِ : أَنْكَرُوْا عَلَى أَصْحَابِ الْمُنْكَرَاتِ مُنْكَرَاتِهِمْ ، فُسُوْقَهُمْ ، وَكُفْرِيَّاتِهِمْ ، بِصِدْقٍ ، وَعَدْلٍ ؛ قَائِلِيْنَ بِالْحَقِّ حَيْثُ كَانُوْا ، لَا يَأْخُذُهُمْ فِيْ اللهِ لَوْمُ اللَّائِمِيْنَ[6]، وَلَا إِرْجَافُ الْمُرْجِفِيْنَ ، …
ثَبَّتَهُمُ اللهُ ، وَأَعَانَهُمْ ، وَعَلَى السُّنَّةِ ، وَالتَّوْحِيْدِ أَمَاتَهُمْ ،
اللَّهُمَّ آمِيْن .
وَلِلْحَدِيْثِ بَقِيَّةٌ قَرِيْبَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ …
([3]) رواه الخلال في “السنة” ، بسنده عن إبراهيم النخعي رحمه الله (1361) ، والسابري : نوع من الثياب الرقيقة .
([6]) إِشَارَةً إِلَى حَدِيْثِ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا ، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ”[رواه البخاري (7199) ، ومسلم (4796)] .