“بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ ؛ وَصْفُهَا الْمُبِيْنُ ، وَحِفْظُهَا الْأَمِيْنُ” .
حَلَقَاتٌ عِلْمِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ ، أَصِفُ فِيْهَا الْبُيُوْتَ الْمُؤْمِنَةَ ؛ عَقِيْدَتَهَا وَأَخْلَاقَهَا ، ثم أُذَكِّرُ بَعْدَهَا بِالتَّرَاتِيْبِ السَّلَفِيَّةِ الضَّرُوْرِيَّةِ فِيْ طُرُقِ وَأَسَالِيْبِ ِحِفْظِهَا مِنْ عُدْوَانِ الْفِرَقِ الْمُعْتَدِيَةِ .
حَلَقَاتٌ مُهِمَّةٌ ، وَبِخَاصَّةٍ فِيْ أَزِمِنَةِ الْغُرْبَةِ ، مُوَجَّهَةٌ لِجَمِيْعِ أَفْرَادِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ ، صَانَهَا اللهُ مِنْ خُطَطِ وَتَدَابِيْرِ ذَوِيْ الشُّرُوْرِ الْكَائِدَةِ .
الحلقة (الخامسة) :
-(بُيُوْتُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ الْإِسْلَامِ)-
“وَصْفُ عَقِيْدَةِ أَهْلِهَا الْمُوَحِّدِيْنَ ، وَأَخْلَاقِهِمْ” .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين … أما بعد :
(مقدمة)
بعد مقدمة استهلالية مقتضبة عقدناها في الحلقتين السابقتين عن حال بيوت المؤمنين -بالوصف العام- سنبدأ في هذه الحلقة -وحلقات عديدة بعدها- بذكر العقيدة النقية الصافية لأصحاب تلك البيوت ، على وجه مختصر ، ثم سوف نُعَرِّجُ -إن شاء الله- بذكر أخلاقهم النبيلة ، على نفس المنهج والمنوال ، فنقول -ومن الله نستمد العون والسداد- :
(1)
عَقِيْدَةُ أَصْحَابِ الْبُيْوْتِ الْمُؤْمِنَةِ الْمُطْمَئِنَّةِ فِيْ الْإِسْلَامِ :
هِيَ العقيدة المقروءة في كتاب ربنا جل وعلا ، الموروثة -قولاً ، وعملاً ، واعتقادًا- من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، المأثورة عن سلفنا الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم ،
وَهِيَ التي لأجلها خلق الخلق ، وأنزلت الكتب ، وأرسلت الرسل ، وبعثت السرايا والبعوث للدعوة إليها والبلاغ ،
وَهِيَ التي لأجلها خلقت الجنة والنار ، وسلت سيوف الجهاد في سبيل كبت المعرضين عنها ، والآبين الدخول في عقدها ،
وَهَذِهِ الْعَقِيْدَةُ :
هِيَ الْمُنْجِيَةُ لمن تمسك بها -بإخلاص- من عذاب الله ووسخطه ونقمته ، والمسعدة له في الدنيا ويوم المعاد ،
وَهِيَ الشافية الكافية ، والدواء والعافية لأمراض القلوب ، وعلل الأبدان والنفوس ،
وَهِيَ الغذاء النافع للعقول ، والرواء الهانئ لكل سؤال يعرضه الطالب السؤول ،
وَهِيَ الْمُكْسِبَةُ لخشية الله ، والخوف منه ، والهرب إليه ، ومحبته ، والتوكل عليه ، والانطراح والتضرع بين يديه ،
وَهِيَ الْمُسَبِّبَةُ لجمع الأمة على كلمة سواء ؛ لا شرك ولا ابتداع ، لا فرقة ولا افتراق ؛ متآخين ، متحابين ، متوادين ؛ لا اختلاف بينهم ، ولا شقاق ،
وَهِيَ الضمان للتمكين في الأرض لمن قام بها حق القيام ، والْمُخَلِّصَةُ من تسلط وتحكم الأعداء ، وصولان الفساق الفجار ، وشبهات المبتدعين ، وأهل الإلحاد ،
وَهِيَ الحصن المصون للأولاد والنساء ، وسائر الناس ؛ من فتن أهل الفتن في أزمنة المصائب والمحن ،
وهي الملاذ الآمن لمن تفرقت به الطرق ، وتشعبت به السبل ، يأوي إليها ليجد فيها سكن روحه ، وفؤاده ، وجوارحه ،
وَهِيَ السلاح الأمضى ، والعتاد الأقوى للقادة والحكام والرؤساء لمواجهة التهديدات المستمرة التي تصلهم من قبل أعداء الإسلام ،
وَهِيَ الْمَعِيْنُ الذي لا ينضب للعلماء والباحثين ، والطلاب والدارسين ؛ في شتى تخصصاتهم ، يرجعون إليها ليجدوا فيها ما يساعدهم على حل ما أغلق عليهم فهمه فيما هم فيه من دراسات ،
وَهِيَ طمأنينة النفس ، وراحة الصدر ، وانشراح القلب ، وسعادة الروح ، ووضاءة الوجه ، والنعيم في القبر ، والأمان يوم الحشر ، وخفة الحساب يوم العرض ، ثم قرة العين بالنظر إلى وجه الكريم المنان في جنة عدن ،
وَهَذِهِ الْعَقِيْدَةُ عِلْمٌ كَسَائِرِ الْعُلُوْمِ ، لَكِنَّهُ عِلْمٌ :
يَجِبُ تعلُّمه على كل مسلم ومسلمة ، وتقديمه في الطلب على سائر العلوم المتنوعة ، وأخذه وتلقيه بكل جد وعزم ، وهمة وحزم ، والحذر كل الحذر من التفريط في طلبه ،
وَيَجِبُ التصديق به بيقين وإخلاص ، والبعد عن كل ما يشوبه من شك ، أو رياء ، أو ارتياب ،
وَيَجِبُ العمل به على كل أحد ، فلا علم مرجو بلا عمل ،
وَيَجِبُ فهمه فهمًا صحيحًا دقيقًا متقنًا ، على نحو ما فهمه الأسلاف الصالحون ؛ لأن الخطأ فيه ليس كالخطأ في غيره من سائر العلوم ،
وَيَجِبُ نشره ، وبثه ، وتبليغه لجميع الأنام وسائر الأمة ؛ إقامة للحجة ، وإنذارًا للمعرضين عنها ، وحذرًا من وعيد كتمها ،
وَيَجِبُ الصبر والاحتساب في الدعوة إليه ؛ كما صبر نبينا وحبيبنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه ،
وَيَجِبُ مراجعته ، ومذاكرته ، ومدارسته مع العلماء ، أو الأصحاب والخلان ، أو الأولاد والزوجات ؛ ليبقى حاضرًا ثابتًا على الدوام ؛ لا يغيب عن القلوب والأذهان ، وحتى لا يؤدي تركه ونسيانه إلى إضلال ووسوسة الشيطان ، وأعوانه من أهل الكفر والإلحاد ، وأهل الحدث والزندقة والابتداع ،
وَهَذِهِ الْعَقِيْدَةُ ؛
يَجِبُ الدفاع عنها ، والذود عن حياضها ، والجهاد -على قدر المستطاع- في سبيل تبليغها ، والرد على المخالفين الذين يريدون تحريفها ، وكشف الشبهات والتلبيسات الواردة عليها ، وفضح المنافقين والمتسترين الذين يرومون إفسادها ، وتخذيل المتمسكين بها ،
وَيَجِبُ تأليف المؤلفات في تأصيل علومها ، ونشرها وتقريبها للعامة ، والخاصة ، والقريب ، والبعيد ، بجميع اللغات ، في مختلف وسائل الإعلام ،
(2)
وقد جاء في فضل وأهمية العقيدة السلفية النقية نصوص وآثار ،
قَالَ الله تَعَالَى : {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين}[الأنعام:162-163] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}[النحل:97] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل:36] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}[النور:55] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين}[يوسف:108] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِين * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُون”[البقرة:130-132] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}[لقمان:13] ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين}[هود:42] ،
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قاَلَ : لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ : “إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى ، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا صَلَّوْا ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ ، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ”،
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ”.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -أَيْضًا- قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَالَ : “يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ”.
وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا”،
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : “أصل الصلاح : التوحيد والإيمان ، وأصل الفساد : الشرك والكفر … ، والله تعالى إنما خلق الإنسان لعبادته ، وبدنه تبع لقلبه ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : «أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»، وصلاح القلب في أن يحصل له وبه المقصود الذي خلق له من معرفة الله ، ومحبته ، وتعظيمه ، وفساده في ضد ذلك ، فلا صلاح للقلوب بدون ذلك قط”،
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ -أيضًا- : “وما أُحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على القبور والآثار فهو من البدع المحدثة في الإسلام ، من فعل من لم يعرف شريعة الإسلام ، وما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من كمال التوحيد ، وإخلاص الدين لله ، وسد أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان لبني آدم ؛ ولهذا يوجد أن من كان أبعد عن التوحيد ، وإخلاص الدين لله ، ومعرفة دين الإسلام هم أكثر تعظيماً لمواضع الشرك ، فالعارفون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أولى بالتوحيد وإخلاص الدين لله ، وأهل الجهل بذلك أقرب إلى الشرك والبدع”.
وَقَالَ الْإِمَامُ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : “أما بعد ، فإن أولى ما يتنافس به المتنافسون ، وأحرى ما يتسابق في حلبة سباقه المتسابقون ما كان بسعادة العبد في معاشه ، ومعاده كفيلاً ، وعلى طريق هذه السعادة دليلاً ، وذلك العلم النافع والعمل الصالح اللذان لا سعادة للعبد إلا بهما ، ولا نجاة له إلا بالتعلق بسببهما ، فمن رزقهما فقد فاز وغنم ، ومن حرمهما فالخير كله حرم ، وهما مورد انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم ، وبهما يتميز البر من الفاجر ، والتقي من الغوي ، والظالم من المظلوم ، ولما كان العلم للعمل قريناً وشافعاً ، وشرفه لشرف معلومه تابعاً كان أشرف العلوم على الإطلاق علم التوحيد ، وأنفعها علم أحكام أفعال العبيد”.
وَقَالَ الْإِمَامُ اِبْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ : “أفضل العلم : العلم بالله ، وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله ، التي توجب لصاحبها معرفة الله ، وخشيته ، ومحبته ، وهيبته ، وإجلاله ، وعظمته ، والتبتل إليه ، والتوكل عليه ، والصبر عليه ، والرضا عنه ، والانشغال به دون خلقه ، ويتبع ذلك العِلْم بملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتفاصيل ذلك ، والعلم بأوامر الله ، ونواهيه ، وشرائعه ، وأحكامه ، وما يحبه من عباده من الأقوال ، والأعمال الظاهرة والباطنة ، وما يكرهه من عباده من الأقوال ، والأعمال الظاهرة والباطنة ، ومن جمع هذه العلوم فهو من العلماء الربانيين ، العلماء بالله ، العلماء بأمر الله”،
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ -في تفسير قول الله تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}[محمد:19] ، قال : “وهذا العلم الذي أمر الله به -وهو العلم بتوحيد الله- فرض عين على كل إنسان ، لا يسقط عن أحد ، كائنًا من كان ، بل كل مضطر إلى ذلك …”،
وَقَالَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ الْعَزِيْزِ بْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : “هذه العقيدة يجب على كل مسلمٍ أن يعرفها وأن يفهمها ؛ لأن كثيراً من الجهلة والمنحرفين وأعداء الإسلام يلبسون على الناس في عقائدهم ، ويتكلمون فيها بجهل وبغير علم ، وبقصد سيئ ، للتضليل ، والتشبيه ، والتزييف ، وقصد انحراف الناس عن الهدى ، فإذا كان المسلم على بينة وعلى بصيرة بالعقيدة الصالحة استطاع أن يحذر شر هؤلاء ، وأن يبتعد عما يطلبون من الشر ، ويدعون إليه من الباطل ، بما أعطاه الله من الهدى والبصيرة ، وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُ فِيْ الدِّيْنِ»، فعلامات السعادة والخير أن يُفَقّهَ العبد في دين الله ، وأن يتبصر في أمر الله ؛ هذه علامة أن الله أراد به خيراً ، أما الإعراض ، والجهل ، والغفلة ، وعدم العناية بأمر الدين فهذه علامة ظاهرة على أن الله ما أراد بالعبد خيراً ، فينبغي للمؤمن أن يحذر هذا الخلق ، وهو خلق الإعراض والرضا بالجهل ، وعليه أن يتعلم ويتفقه ويحضر حلقات العلم ، ويسأل عما أشكل عليه”.
وَقَالَ فَضِيْلَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ : “إن علم التوحيد أشرف العلوم ، وأجلها قدراً ، وأوجبها مطلباً ؛ لأنه العلم بالله تعالى ، وأسمائه ، وصفاته ، وحقوقه على عباده ؛ ولأنه مفتاح الطريق إلى الله تعالى ، وأساس شرائعه ؛ ولذا أجمعت الرسل على الدعوة إليه ، ولما كان هذا شأن التوحيد كان لزاماً على كل مسلم أن يعتني به تعلماً ، وتدبراً ، واعتقاداً ليبني دينه على أساس سليم واطمئنان وتسليم ، يسعد بثمراته، ونتائجه”.
نكمل في الحلقة التالية إن شاء الله …